غابات عجلون ومواقعها الأثرية: ثروة وطنية تنتظر الاستثمار | راشد الربابعة

 


غابات عجلون ومواقعها الأثرية: ثروة وطنية تنتظر الاستثمار

بقلم - راشد الربابعة 

تقع محافظة عجلون في شمال-غرب الأردن، وتتميّز ببيئتها الجبلية الخضراء، وتاريخها العريق الممتد لقرون طويلة. إنّ الجمع بين الغطاء النباتي الكثيف في الغابات والمواقع الأثرية المنتشرة فيها يُشكّل ثروة وطنية من حيث السياحة البيئية، التاريخية، والتنمية المستدامة. لكنّها أيضاً تنتظر من يُستثمر هذه الثروة بشكل حكيم لتحقيق تنمية محلية واقتصادية متوازنة. في هذا المقال نسلّط الضوء على أهميّة غابات عجلون ومواقعها الأثرية، والتحديات التي تواجهها، والفرص الاستثمارية الكامنة فيها، والخطوات المقترَحة لتحويلها إلى نموذج تنموي يُفيد المجتمعات المحلية ومستقبل المحافظة.


من أبرز معالم المحافظة غابة عجلون التي تُعدّ واحدة من النُدُر في الأردن، حيث إنّ مساحة الأراضي الحرجية في المملكة لا تتعدّى 1 % تقريباً من إجمالي مساحة البلاد، وهي نسبة منخفضة جداً. 

على سبيل المثال، تمّ إنشاء محمية الغابات تحت إشراف الجمعية الملكية لحماية الطبيعة (RSCN) عام 1987-1988، وتشمل نحو 12-13 كيلومتر مربع من الغابات شمال عمان بارتفاعات تتراوح بين 600 و1100 متر فوق سطح البحر، وتضم أعشاباً شجرية مثل البلوط الدائم الخضرة (Quercus calliprinos)، البطم، والجرز (Ceratonia siliqua) وغيرها. 

تُعدّ هذه الغابات مصدراً مهمّاً للتنفّس الطبيعي، الهواء النقي، المشي في المسارات البيئية، ومغزىً للسياحة الريفية والبيئية. فعلى سبيل المثال تم تسجيل أن المحمية وصلت إلى نسبة إشغال 100٪ خلال عطلة نهاية أسبوع في أغسطس 2022، حيث قال مدير المحمية أن هناك 38 كوخاً مجهّزة وبطاقة حوالي 140 شخصاً لليلة واحدة، بالإضافة إلى عدد من المسارات التي تتراوح بين 2 و16 كيلومترًا. 

الغطاء النباتي والحياة البرية الغنية (من ذئب، ابن آوى، خنزير بري، وغيرها) تجعل من الغابة مصدراً للتنوُّع البيولوجي، ووجهة مفضّلة لمحبي الطبيعة والمشي. 


لكنّ هذا المورد ليس من دون تهديدات: من بينها توسّع الأراضي الخصوصية حول المحمية، والرعي الجائر، وقطع الأشجار غير المشروع، وجفاف الينابيع والمناخ المتغير الذي قد يقلّل من الغطاء الحرج. 

لذا فإنّ الاستثمار في الغابات لا يعني فقط جذب الزوار، بل أيضاً ضمان حماية الغطاء الحرج، تحسين البنى التحتية البيئية، وتمكين المجتمعات المحلية لتكون شركاء فعليين في الحفظ والنمو.

إلى جانب الطبيعة، تحتضن عجلون مواقع أثرية وتاريخية بارزة، أهمّها قلعة عجلون (قلعة الربض) التي بُنيت عام 1184م على يد القائد عزّ الدين أسامة من جيش صلاح الدين الأيوبي، وتعدّ نموذجاً للدفاع الإسلامي ضد الصليبيين، تقع على تلة تطلّ على وديان رئيسية في المنطقة، وكانت تتحكم في طريق دمشق-مصر آنذاك. 

إلى جانب ذلك، يوجد موقع تل المقلوب الذي يعود إلى العصر البرونزي والحديدي ويقع في محافظة عجلون، ما يضيف بُعداً أقدم بتاريخ بشري عميق. 

هذه المواقع الأثرية تمثّل فرصة كبيرة للاستثمار في السياحة الثقافية والتاريخية، مثل تنظيم جولات تعليمية، إنشاء متاحف محلية، تطوير خدمات الإرشاد السياحي، وربطها بفعاليات سياحية مستدامة تستفيد من الطبيعة المحيطة. فهي--بحسب وصف الموقع الرسمي--«حصنٌ أخضر يُدعوك لاستكشاف التّل والجبل والغابة معاً». 

ومع ذلك، فإنّ الاستثمار فيها يتطلّب تخطيطاً دقيقاً: حماية للمواقع من التدهور، علامات إرشادية، مواقف سيارات، خدمات فندقية أو ضيافة صغيرة ، وتدريباً للسكان المحليين ليكونوا مرشدين وموفّري خدمات.

لماذا تُعدّ هذه الثروة الوطنية؟

تنمية مستدامة محلية: الجمع بين الطبيعة والتاريخ يخلق نموذجاً للسياحة المتنوّعة التي تقلّل من الاعتماد فقط على الشاطئ أو المنتجعات، وتزيد من فرص العمل في المناطق الريفية.

تميّز تسويقي: قلّة في العالم تمتلك مثل هذا المزج بين الغابات المتوسّطية والمواقع التاريخية الإسلامية-القديمة ضمن مساحة صغيرة نسبيّاً، ما يمنح عجلون ميزة تنافسية وطنياً وإقليمياً.

حماية البيئة والتنوّع البيولوجي: الاستثمار الحكيم في هذه الموارد يعني دعم الجهود الوطنية للحفاظ على البيئة، وتحويل المناطق الطبيعية إلى مراكز تعليم وتجربة بيئية، ما يعزّز من قيمة المحافظة وطنياً.

تنشيط الاقتصاد المحلي: من بيوت ضيافة صغيرة إلى مطاعم، مرشدين، مشاريع حرفية مرتبطة بزيوت الزيتون والعسل والمنتجات الريفية، يمكن أن تولّد هذه الثروة دخلاً مستداماً لمجتمعات عجلون.


رغم الفرص، هناك عدة تحديات يجب مواجهتها لضمان استثمار مستدام ومتكامل، منها:

البُنية التحتية المتواضعة: من طرق الوصول إلى المواقع، مواقف السيارات، الخدمات السياحية (فندقة صغيرة، مطاعم) لا تزال بحاجة لتطوير.

الحفاظ على الطبيعة: المضاعفة في عدد الزوار دون تخطيط قد تُهدّد الغطاء الحرج والنظام البيئي، لذا يجب تصميم حدود استقبال الزوار، تأهيل المسارات، وتوعية الزوّار.

التنسيق المؤسسي: ما بين وزارة السياحة، وزارة البيئة، الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، والبلديات، توجد حاجة لتنسيق أفضل ووضع خطة تكاملية واضحة.

تمكين المجتمع المحلي: يجب أن يكون السكان المحليّون شركاء وليس متلقّين فقط، عبر تدريبهم، دعم مشاريع صغيرة، وتنمية مهارات سياحية.

تأثر بالمناخ: بما أنّ الغابات تقع في منطقة مرتفعة نسبياً ومناخها مائل للبرودة والمطر، فإنّ تغيّر المناخ (تراجع الأمطار، ارتفاع درجات الحرارة) قد يؤثّر على الجاذبية الطبيعية والغابات على المدى الطويل.


إنّ غابات عجلون ومواقعها الأثرية ليست مجرد مواقع سياحية أو طبيعية فحسب، بل هي رأسمال قومي يمكن أن يساهم في تنمية مستدامة، ويحافظ على البيئة ويحكي تاريخاً وتراثاً، ويمنح المجتمع المحلي فرصة حقيقية للازدهار. الاستثمار الحكيم والمُخطّط في هذه الموارد يمكن أن يحوّل المحافظة إلى نموذج محلي يحتذى به في الأردن للدمج بين الطبيعة، التاريخ، والاقتصاد. أمام عجلون اليوم فرصة كبيرة، ويُعدّ الوقت مناسباً للانطلاق نحو المستقبل.




إرسال تعليق

0 تعليقات